خديجة حدوش ·
منذ 5 سنوات

تحت عنوان

من منا لا يريد أن يحيا في مدينة فاضلة تكفل له الحياة التي يتمناها ؟ تلك التي يطلقون عليها جنة الأرض، تلك التي يتصورها الجميع وكأنها خريطة الطريق الذي لا يعرف عداءات أو حروب أو منغصات بل هي التي تنعم على أناسها بالسعادة الحقيقية في ظل حياة آمنة مطمئنة. بين الفينة والأخرى، أتساءل و يشرد ذهني حول خبايا هذا العالم المحصور في ما يحيط بنا وما يلف حركاتنا وهو ما مدحت فيه أمي كثيرا اعتبارا للحس التحليلي النقدي الذي استحضره في أي صغيرة وكبيرة ولم أتردد بطرح السؤال : ما الذي يمنعنا من رسم ملامح مدينة فاضل بالمستقبل حيث يبدو كل شيء فيها، مثاليًا ولا يوجد أي نوع من الشرور المجتمعية كالفقر والظلم والمرض، لا توجد إلا الناس من الطينة الخيرة ولا يوجد إلا التلاحم والتراص والتآخي ؟ وها هي أمي كما ألفت تعابير وجهها مبتسمة و مستغربة في الآن ذاته ثم اكتفت بقول  "مستحيل" .يا ليت الشعوب تتعارف وتمد جسر التواصل بينها بعيدا عن الحسابات السياسية التافهة والاختلافات الدينية الغير معترف بها و كم هو مثالي ذاك المجتمع الذي يتجاوز كل ما يفرق بين أفراده بل يبني ويؤسس لما يجمعهم و يحوزهم داخل نطاق واحد بصفاتهم المشتركة والمختلفة على حد سواء .لم تغادر ملامح هذه الجنة مخيلتي ولم أستطع إلا خلق التفاضل في كل تفصيل بين ما يميز ما نعيشه الآن وما كنا سنعيشه لو فعلا اجتهدنا و طمحنا نحو تحقيق الحلم المستحيل كما أطلقت عليه أمي، فأين الحاجز وأين السد المنيع الذي يفصلنا و يعثر خطوتنا ؟ هل هي التقاليد والعادات أم التهرب الإنساني ؟ لما لا يخرج الإنسان من قالبه المعهود ويكشف ما يحمله من صفاء وطيبة داخل روحه وهي المقومات التي نستدرج من خلالها مأملنا ونسعى نحوه لأننا أصحاب القرار و انطلاقة التغيير من صنع أيدينا .
بحكم اعتقادي الجازم أن لا مستحيل في حضور الرغبة النهمة والإرادة الفعلية، عدت إلى نقطة الصفر لكن وبطريقة أو أسلوب مغاير كإنسان متحايل وأنا أفكر بصوت عال ومن منا لا يريد أن يعيش في مدينة يحكمها من يتميزون بالحكمة وصحوة الضمير، ويدافع عنها الأشداء منا، وتكدح فيها الطبقة الثالثة لصالح الجميع ؟ لا هل من المنطقي التخلي عن الحلم بمدينة تتساوى فيها الحقوق والواجبات بين الغني والفقير ولا نعرف معنى إلا للسعادة بما نمتلكه وما نفقده كذلك ...؟ ثم قاطعتني أمي وهل ترى أن أرض الواقع هي الأرض الخصبة لتبني هكذا مخطط وهكذا حلم ؟ هل الحروب التي تتناثر شظاياها في كل رقعة جغرافية وهل التمييز العرقي والديني الذي يجعل من اثنين أعداء ومن اثنين آخرين أصدقاء نظرا لما توارثه كل منهما من أجياله السابقة يفسحون المجال فعلا لنقل ملامح مدينتك الفاضلة إلى المعيش الذي نقاتل فيه يوما بعد يوم لتحرير أنفسنا من أية ضغوطات تفرضها البطون الممتلئة ونكد من أجل توفير عيش كريم فما عساك بالرفاهية .
ربما ما تقوله أمي مبني على حجج وبراهين خلقت كي تقابل مثل هذه المواقف و ربما احتكاكها بظروف الحياة لخص لها نبذة بين الممكن والمستحيل وجعلها تصيب التمييز بين الحلم الواهي والحلم المتين حتى لو تعلق الأمر بالمستقبل الذي نجهل مجريات أحداثه .
ترتيب حسب:

جميع الحقوق محفوظة © كاف 2024

All rights reserved © kaf 2024